Overblog
Edit post Follow this blog Administration + Create my blog

 عزة رجب سمهود

عزة رجب سمهود

سمراااء بنت الخيال ـ وتذر كحل عينيها قصائدا


من ملحها بعثني الله أُنثى

Posted by عزة رجب ،شاعرة وكاتبة ليبية on August 14 2016, 20:10pm

 

 

 

  أنا لا أتكئ على تاريخي لأنسج ظلاً وصورةً جميلةً تتكلمُني، أنا أنحتُ في ديمومة اللحظة، وأغرز أسنان قلمي في جلد الزمن، لأنبش بأظافر حرفي معاقل الألم في بلادي، أمسك بزمام مشهدٍ هاربٍ من العتمة، أو تاريخ فرَّ من فزع الصيرورة، أو وجه ضاع من شتات الحرب، أطارد الأخبار المُرة، وأشواك الحديث الموخزة، لعل نحيب مدينتي يكفُ، فأشجُّ جمجمة الظلام بفأس حضوري، وأذرأُ عذابات ليلها ببياض ملحها، وبما أوتيتُ من قسوة ٍ أواري سوءة الوقت على وجهي، بابتسامات أهبها ليائسين خانهم عقرب التوقيت، أو ألاحق أرامل كفين قدورهن، وارتحلن بدموعهن إلى صمت المقبرة، أدفن جراحي بلا رحمة ٍ في ذروة الرماد لأبعث طائر عنقاء من  روح ثكلى تنتحبُ ، وفي الليل أرفعُ دثار الصبر من على وجهي، وأسدُّ رمق السؤال بحجر الحقيقة، ألقمه  شذرا، وأسلب من كينونته  أقباس تمرد وتحدٍ وعنفوان 


  كعجوز هرمتْ من شيخوختها، أُقدد ـ في وضح النهارـ أحزان غيري، أنشرها على حبل غسيل من نقائي، أهب بياضي للقلوب المكلومة مثلي، المُتلظاة من سقر الساسة، أمنحهم أملاً، وأهدر دمعي كرمى لأعينهم، لم أقطف عناقيد اشتياقي بعد لبلد آمن، ولم أُعلق خيط طيارتي بأصابعي المحترقة وجعاً من كتابة أسماء الشهداء، ولم أطف بعينيِّ شوارعنا لأحصي عدداً وبدداً أعمار الراحلين من زواياها، والمغادرين لحاناتها، والمهاجرين من بيوتها، ولم أتفقد الورد البلدي النابت قرب جذوع نخلها، لأرويه بمغازل الدمع البنغازي المتواصل رواء، ماء ودماء، يغسله الملح، وتذيبه أنداء النهار الصامدة في شجاعة لا تخنع  


  كوردةٍ جورية  أمنح الأشواك حق الامتياز على أغصاني، والحياة بين أحضاني، وحين  يغمرني لوني الأحمر في الحب، لا أملك سوى قواميس  وريقاتي  أبعثها مهداة على صفيح الشوق، و أعبر بأحمري القاني مساحات القلوب الميتة من عجرفة الشعور، أخضبها محبة، وأملأ وجنة جفائها تراتيل من أقباس فردوسي، أُمدد في بقاء إنساني كلما طالني الظلام القادم نحوي، لا أنتظر أن يكافئني أحد على عطري، أو يمنح نفسه حق البقاء على غصني، فالورد مني، والشوك من منابتي وجدراني، وبكل سعادة يسرني منح حياتي، ولا أبالي إن كنتُ  أطأ على معقل أحزاني، هكذا أنا، وهكذا بنغازي العجوز التي ربتني بحبٍ، ربيتُ فيها وعاداتها منبع إلهامي وعاداتي  


  كأيقونة عشق، يا كومة الملح، تبعثين الطعم، والمذاق، اللون، والحياة، حافية أنا في طرقاتك، أسير على تربة ذراتها من ذهب، أغمر وجهي في طينك الأحمر كل صباح، أطالع وجه برنيق كل صباح فيك، أغمس أشعاري في فناجين قهوتي، أتذوق بعنفوان مذاق الأحاديث  الشهية الطعم، من بيت لبيت، مزيج الجنون، وعظمة التاريخ، وغموض الملامح، أراك في روحي، كحلم (بادٍ ويعجــز خاطري إدراكه * وفتنــتي بالظــاهر المُتـــواري) واحة ٍ ممتدة في قلبي، تتعرشين كشجرة صفصاف رابضة في قمة الجبل، أو كزيتونة يضيء زيتها، كلما أنطفأ بنا مصباح الطريق، أيتها البيضاء القلب، العميقة، الصامدة، الشابة، النابضة حياة، العابثة بألوان العشق، وأفنان الفرشاة، الناهضة من فورة الخيال، الراسمة حدود المحال، الشهية حين تلوحين، السلطانة حين تتكلمين.


  كحياة تنبعث في شريان الحياة، ليبيا بك، فيك، منك، إليك، نبضها وقلبها وشريان حياتها، لا يكون لي أن أزرع نهاراتي دون أن ينتشي إحساسي برؤية كل ألوان الطيف فيك، أمضي كطفلة تعشق الضياع بين أزقتك الضيقة، هنالك حيث الرواية، والتاريخ، وآثار اليد الهمجية على ملامحك، وعبق التراب الليبي الواحد، لا أظن أن ثمة من يرضى أن يجعلك لوناً واحداً، فالكل هنا أراه يبحث عن الكل، ووجهي مرتسم بمعالمك، وسم وراء وسم، لدي حلاة بنات جنوبك، ولدي لكنة طرابلسية في حديثي، ولدي حرارة الروح البنغازية، ولدي عفوية وتمرد أهل الشرق، ولدي كياسة غربك، ولدي ما لدي من اللا  والنعم، لأبقى بك، ويبقى بلدي بك، لدي أيقونات عشق أبعثرها على سيمياء وجهك، أكتبها فوق منصة أفكاري، سقف سمائي أنت، إلهامي أنت روحي أنت، أمرض إذ تمرضين، أموت لو تنتهين، أعيش و أنا أتنفس من رئة هواك، أعلم أنك تتألمين، تقاسين، تغالبين، تتماهين، لكني كأي طفل تذوق ماءك، ملحك، لا أملك منك ما تملكين مني، يا مليكة الروح والقلب، خذي مني ما تشائين، خذي من العمر ما تريدين، كلناعزاء لك حين تبكين

 

 

To be informed of the latest articles, subscribe:
Comment on this post

Blog archives

We are social!

Recent posts