Overblog
Edit post Follow this blog Administration + Create my blog

 عزة رجب سمهود

عزة رجب سمهود

سمراااء بنت الخيال ـ وتذر كحل عينيها قصائدا


رسائلي المسجاة على أرصفة البوح

Posted by عزة رجب ،شاعرة وكاتبة ليبية on January 15 2017, 21:32pm


 

 

 

 

 لدي غيوم من الأسئلة، لأمطر بها قلبي، و أحشوها في وسادتي، ثم أجعلها تستغرق في السبات بانتظار سياسي يخرج إلينا على الهواء ليجيب عنها، لكني في الصباح وبينما أتصفح القنوات الليبية أتعثر بظلي، و أتذكرهم بوجوههم المخلوعة عن الشعور بنا، أقدد الإجابات على مقاسي الصغير، في حيلة مني للهروب الكبير إلى الشارع، إنه الهروب من الخيال والوهم السياسي، إلى واقعية الشارع، إلى فانتازيا الشعب، ودراما الحياة اليومية، إلى طوابير مملة كالأسئلة الطويلة، المعبأة بالتوق، والانتظار، إلى طوابير الخبز، و طوابير البنزين، طوابير المصارف ، وطوابير الكيروسين، طوابير النازحين، وطوابير المهجرين، طوابير المسافرين، و طوابير فاقدي الأطراف وطوابير المقبرة، الترجمة الواقعية لنتائج الأوليغارشيات التي تحكمنا، الطوائف الفكرية التي استمرأت بشراسة، وتمددت تمدد داعش في بقع النور ...

لا أريد النوستالجيون في هذا التوقيت بالذات، لأني لا أحن إلى عصور جهلي، ولا إلى التواريخ الراقدة تحت التراب، لا أحن إلى التسميات، والقبور، ولا إلى تغيير العلم، والنشيد، أنا أحن إلى حاضر مسالم، متصالح مع نفسه، أحن إلى وطن يحتويني مع غيري، أقبل به ويقبل بي، لكنه لايلفظني نحو شواطيء غربة سئمت من الإبحار إليها.

لدي أرشيف اسمه عبير الورد، يدندن رسائل الحب، ويوثق كلمات الحرب، يفتح نوافذ النور، ويغلق أبواب الظلام، كلما شرعت بفتح إحداها انبثق طائر عنقاء، و خرجت غيمة من سجون سرنا، فسافرت حرة طليقة، فوق هذه السفوح، والهضاب، والجبال، لتمطر الحب، وتكتب الآم القلوب المتعبة، التي أخذها الليل، وليمة لأحزانه، ليكفكف بها دموع وحدته، وشراسة ظلمته.

 عبير التي عشقت عيون الورد، اجتاحت مسافات الليل الذي تقيأ كل شيء، متخليا عن السبات، والنوم، والراحة، والنجوم النائمة بين كفيه، ترك القمر يتهجد لوحده قيام السماء، وهالي يبحث عن مكان الجوزاء، لعله يصيب منها ضربة حظ، تضع أعشاش الطيور المهاجرة بين كفيه ..

الليل والنهار وليبيا، رحلة الله المستدامة في كوننا الصغير، كلما خلخل الوجود ليبيا، تخلخل السكون في العالم، وتغيرت إحداثيات السماء من أجلها، كلما صبوا في قلبي اليأس والبأس أشرق صباحي على صبي يلعب قرب بابنا ويغني نشيد الاستقلال : إننا يا ليبيا لن نخذلك.
و لن يخذل الله ليبيا الراكعة في محراب عبادته ، والمتوازنة في سلوكها العقائدي، والصائمة متى صعد حجيجه جل وتعالى علاه إلى عرفة ، لن يتخلى الله عن ليبيا ذات الوجه الصبوح، والروح الودود، الرحيمة، المحبة للمصطفى، العابدة، الساجدة، الراكعة له وحده وليس لسواه.

أستمرأت رحلتي مع عبير الفاتنة، حتى بدوت طفلة، تغزل على منوال الحب كلماتها، وتتخيل حبيبا يصعد قلبها، و يتسلق على شعرها، ليصل إلى النافذة، ويقبل يدها التي خطت الورد، ونثرت أوراق الجوري، و تركت رائحته كأريج وسمعة ليبيا، منذ عبور هيرودوت ، وحتى استحضار أرواح الفلاسفة في رسائلها، هايدغر، وأفلاطون، و هيغل، و أرسطو، و سقراط، و سوارين كيركجارد، وبول ريكور الذي جعلني أعيد ترتيب أوراقي الثبوتية.

لقلبك البعيد الغريب كل السمو، والنبل، رذاذ الورد، ورائحة الياسمين، ونباتات العتمة التي عرفتها من خلال قراءتي لنصوصك السردية ومقولاتك الفلسفية، عرفتك كيف صادقت أشياء المكان، وأكتشفت في روحك مفهوم الاغتراب حين يعزلنا الزمن عن مكونات المكان، ويتركنا نتوحد مع لغة الظلال، ولغة الجدران، نتذوق وبال الفقد، ثم نكتب ونمضي بالدواة والقلم، وكأن فلسفة الوجود، تترجم الزمن في السرد، وهو ماتبقى من بقايانا، في هياكل اللغة، اللغة الكائن الهلامي الذي يعيش فينا، اللغة التي تقولنا، تتكلم قلوبنا، عقولنا، هلام الروح يا ريكور ..كنت قرأتها في كلامك، وتركت التأويلية تفسرني، تفسر العالم في مواجهة النص، حتى تحولت لكائن إيكولوجي، يصادق الجمادات، ويؤنسن نافذته، وكتابه، وكرسيه، وفناجين قهوته ... 

و إذ أسرد الجزء المتبقي من وجعي في هذا الجزء، أستعيد أنفاس الورد في روحي، و أغادر لأجزاء روائية تتسع لها مخيلتي، أبادر إلى وطن أحبه حتى بلغ مني العشق مبلغه، كان حبيبي في نصوصي، وكان قصائدي المسجاة على أرصفة البوح، كان نافذتي نحو عالم جميل أرنو إليه، كان ندائي الأول والأخير، يسمعني، ويوميء لي بالإيجاب، الأوطان لا تخذل من يحبها، و لاتتخلى عن أحلامها للعابرين فوق أوجاعها، الأوطان التي دخلت غرف الانعاش عادت إليها الحياة، وعاشت، وهبها أكسجين الحب فرصتها، وهانحن أولاء نهب ليبيا كل مالدينا، وقتنا، وحبنا، وقلوبنا، نهبها العمر، والسمعة، العقل، والقلب، وديمومة الحياة، نحن الذين سنموت، لكن المدن والشعوب لاتموت ...
 

To be informed of the latest articles, subscribe:
Comment on this post

Blog archives

We are social!

Recent posts